السلام عليكم و رحمة الله و بركاته,,
لم أجد أحدا أحب إلي بعد عائلتي إلا أنتن لأشارككن بعض ذكرياتي
و رحل أبي .... تاركاً أجمل ذكرى و أعذب ابتسامة
كان أبي رحمه الله رحيماً عطوفاً كريم الأخلاق , لم أره يوماً إلا ابتسم في وجهي
و كان هذا منهجه مع الجميع ((تبسمك في وجه أخيك صدقة)) و كان رحمه الله لا يتحرج من أن يقبل يدي
أو جبيني أو عيني أو يضمني إلى صدره و كأني ذات ثلاثة أعوام مع أني كبيرة في العمر
كان رحمه الله تعالى دمث الأخلاق و كان لطيفا مع العامل و مع الغريب و القريب و مع الصغير و الكبير , لقد اتصفت عائلتي بشكل عام
بصفة الرحمة و لكن أبي كانت هذه الصفة زائدة عنده و كان يطلق عليه بــ البكاء لسرعة نزول دموعه و غزارتها فعند أي موقف تنزل دموعه
إن رأى شيخا كبيرا بكى و إن رأى طفلا يبكي بكى و إن شاهد الأخبار بكى و إذا رويت عنده قصة لمآثر الصحابة و التابعين بكى و إن ذكرت عنده
السيرة النبوية
بكى , كان يكره ضرب الأطفال أو الصراخ عليهم فهو يحب الحديث بهدوء و لطف معهم , لم أذكره يوما يسب أحدا
بل إنه يكره أن يُذكر أحد عنده بسوء
و لم أذكره يشتم أحدا و مع ذلك كان صريحا و صادقا و ما في قلبه يذكره لسانه دون أي خداع
لم تغب الذكريات و لم يغب طيفه في كل زاوية , كان من النوع المرتبط مع الجميع
سبحان الله كان ذا شخصية غريبة محبوبة من الجميع و رأينا ذلك
في أيام العزاء رأينا العمال يجتمعون حول بيتنا و يبكون رأينا الأطفال و المشايخ و كبار السن و العجائز و النساء و البنات و الله أن هناك أناسا لا نعرفهم
كان يصل الرحم و يصل الفقير و يفسر الأحلام و يقرأ على المرضى و لكن بالخفاء فهو يستحي و يحب الخفاء
و هاهو طيفه يعود بي إلى ذكريات الطفولة
فقد بدأت الذكريات تتدفق بعبق زكي و رائحة شجية , كنا كأسرة واحدة نجتمع للنوم في غرفة واحدة ليس لقلة الغرف و لكن هكذا كانت أغلب
الأسر السعودية قبل 25 عاما و كنا أنا و إخوتي نتصارع على النوم بالقرب منه و لأنه رحمه الله نشأ يتيم الأم فقد فقد أمه و عمره خمسة أعوام
فقد جرب الحرمان و خاصة أن أسرته كانت كلها ذكورية و ليس فيها نساء حتى أنه وصل إلى عمر 18 عاما دون وجود امرأة في حياتهم فقد
فقد كامل أسرته نساءهم إما بالولادة أو بالأمراض و لا ننسى ضيق ذات اليد فذلك الزمن الذي لم يمكنهم من الزواج
لذلك نتيجة لهذا الحرمان أصبح أبي رحمه الله ممن يستبشر بالبنات و يحبهن كثيرا , لذلك أغدق علينا رحمه الله بالحب و الحنان فكنت أنام
بينه و بين أمي و أضمه إلى صدري و أختي الأصغر مني تنام خلفه لتتعلق برقبته من الخلف و مع ذلك لم يتضايق من مضايقتنا له كنا ننام
و نحن نلتف حوله و كان أخي ينام بالقرب من أمي و كنا نتناوب بالنوم في حضنه حتى وصلت للمرحلة المتوسطة و تم إقصائي من النوم في حضنه
بسبب استيلاء أخواتي الأصغر سناً عليه و مع ذلك كنت أستغل تلك المساحة الصغيرة في الغرفة لأنام تحت قدميه
لقد أعدنا رحمه الله للحياة بنوع من التربية النادرة فكان كثيرا ما يحكي لنا القصص و لكن ليست كأي قصص
كان يروي لنا قصصا عن السيرة و يزرع في قلوبنا حب الدين و العزة و التفاخر بالدين و بأمجاد السابقين و كان يحكي لنا عن الجنة و النار و اليوم الآخر
و علامات الساعة و حياة البرزخ و يتلذذ بتلك الأحاديث و تلك القصص
كان يربينا كيف نأكل و كيف نتحدث و كيف نعامل الناس و أن لا نحمل في قلوبنا ضغينة أو حسد أو كرها لأحد
و كان كثيرا ما يوصينا بصلة الرحم و الكرم و الصدقة و الهدية فكان يقول يصدق بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم (( تهادوا تحابوا ))
هذه بعض ذكرياتي مع أبي الحبيب رحمه الله و أسأله بمنه و كرمه أن يغفر له و يرحمه و يكرم نزله و يسكنه الفردوس الأعلى
و لي عودة بعبق آخر من الذكريات إذا سمحتن لي بأن أفضفض لكن
في أمان الله