المحطة العاشرة
محمد يبلغ من العمر الآن اثنتى عشرة سنة ،
وهو يرعى الغنم لأهل مكة مقابل قراريط يعطونه إياها..
وهو سعيد بذلك لأن رعى الغنم يجعه يقضي النهار بأكمله في البادية،
يجلس تحت ظل شجرة يتأمل ويفكر..
إن أبا طالب أراد أن يخرج في قافلة تاجرا إلى الشام
فلما تهيأ للرحيل وأجمع المسير رغب محمد السفر مع عمه , فرق له أبو طالب
وقال والله لأخرجن به معي ، ولا يفارقني ، ولا أفارقه أبدا,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
أبوطالب يقبل علينا بوجهه المشرق وهو يقول: (يا ...السحابة البيضاء ، يا الأترجة الفواحة ، يا Dalia_albarody,, يا umu abdullah ,, يا totah 20000..
ألا تساعدن أم أيمن؟ إنها تعد الزاد لمحمد في رحلته القادمة إلى الشام..)
أريد السحابة البيضاء أن تغسلي ثوب محمد...
وتسابقت الأخوات نحو الثوب ليغسلنه ، ولكن السحابة البيضاء فازت به. فهي التي كانت أقرب إلى أم أيمن..
وأخذت السحابة البيضاء الثوب
ثم قالت: (أهذا الثوب معطر يا أماه؟ إن رائحته طيبة جداً، إني لأشم منه رائحة المسك والعنبر)
ضحكت أم أيمن وقالت: (هذه رائحة عرق محمد يا سحابتنا .. فالحر قد اشتد وتعلمين أن محمداً يخرج إلى الخلاء يرعى الغنم فلابد له أن يعرق)..
قالت قلب الأمة ؟ (وأين بقية ثيابه؟) أريد أن أغسلها أنا أيضاً..
قالت أم أيمن: (لم يكن لدينا إلا القليل القليل من الثياب ).
ونظر بعضنا إلى بعض في دهشة وحيرة..
قالت فورته : (إنني أخاف كلما فتح أحد أولادي خزانة ملابسه
أن تنهار عليه الملابس فتقتله من شدة اكتظاظها وازدحامها في الخزانة وهم رغم ذلك
يتذمرون من قلة الملابس ويطالبونني بالمزيد).. وضحكنا جميعنا مما قالت فورته.
***********
طلع الصباح في مكة، وسمعنا أصوات الطائفين فمنزل أبي طالب قريب من الكعبة.. وتجهزت القافلة للرحيل نحو الشام..
وجاء تجار قريش وقد تأهبوا للرحيل.. واتجهت القافلة نحو الشام.
*****************
كان النهار قائظاً والحر شديداً.. ونظرنا فإذا سحابة تسير معنا أينما سرنا..
وكانت تظلل محمداً.. تسير إذا سار وتقف إذا وقف..
وصلنا أرض بصرى بالشام..
وكان التعب قد أخذ منا كل مأخذ ولكننا كنا مستمتعين بالرحلة جداً..
وكنا نسأل مأساة ضاحكة عن المعالم فتجيبنا..
رأينا فيها صومعة لأحد الرهبان.. قال أبو طالب: ( هذه صومعة بحيرى..الراهب).
قالت فيافي ؟ (ومن يكون بحيرى الراهب هذا يا عماه؟)
ولكن عبير بدر بادرت بالإجابة فقالت: ( كان اسمه جرجيس
و لديه علم بالكتاب, وكان يتوارث العلم كابر عن كابر .
و كلمة (بحيرى في السريانية العالم المتبحر).
قال عبد المطلب: (لا تشغلوا أنفسكم به ولا بصومعته..
فعموماً هو لا يخرج منها أبداً ولا يكلم أحداً.. وكنا كلما نمر عليه بقوافلنا يطل علينا منها
وينذرنا بعبادة اللّه الواحد وينهانا عن عبادة اللات والعزى. ).
وكما توقعنا وكما قال أبوطالب: فقد أشرف علينا بحيرى من صومعته
حينما سمع أصوات الجمال تختلط بأصوات التجار، ولعله سمع صوت sweetyh وهي تقهقه وتتكلم وتمازح كعادتها..
أشرف علينا بحيرى ولكنه في هذه المرة وجم صامتاً ولم يتكلم..
وأخذ ينظر إلى الغلمان الذين مع القافلة.. ورأى السحابة وهى تظلل محمداً.. وعلت الدهشة وجهه.
,,,,,,,,,
قال أبو طالب (ما رأيكم أن ننزل هاهنا تحت هذه الشجرة فنستريح ونأكل؟)
قالت نعومي1: هل قلت نأكل ؟ (موافقة) فأنا أحب الأكل جداً..
وضحك أبو طالب وأمر القافلة بأن تحط رحلها.
بدأ الناس ينيخون إبلهم ، واتجه محمد نحو الشجرة.. فجلس تحت ظلها..
ومالت عليه أغصانها فظللته..
********
قالت حب الجنان: (هل رأيتم أغصان الشجرة؟ لقد مالت على محمد فظللته؟)
قالت لها دندونة : (ومن أدراكِ هل رأيتها ؟) لأني لا لم أره
ولكنني كنت أراقب بحيرى الراهب وكنت قريبة منه) لقد نزل بحيرى من صومعته
لأول مرة وذهب نحو محمد ينظر إليه
وسمعته يتمتم وهو يقول: (انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه، أنظروا إلى فيء الشجرة مال عليه.. يا ويحه سوف يقتله اليهود)...
وبعد دقائق قليلة أرسل إلينا بحيرى تلميذه فقال : يقول لكم بحيرى إني صنعت لكم طعاما يا معشر قريش.
فإني أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم. وعبدكم وحركم.
فذهبت راجية الغفران وقالت له: يقول لك أبوطالب: (واللّه يا بحيرى إن لك شأنا اليوم
ما كنت تصنع هذا بنا وقد كنا نمر بك كثيراً فما شأنك اليوم؟ قال بحيرى صدقت قد كان ما تقول ولكنكم ضيوف
وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاماً فتأكلون منه كلكم. فاجتمعوا).
وذهبنا جميعنا نلبي الدعوة. ما عدا محمداً الذي بقى يحرس الرحال تحت الشجرة فقد كان أصغر القوم سناً.
وجعل القوم يأكلون وبحيرا ينظر إليهم . فلما تخلف محمد لم ير بحيرى الصفة التي عرف بها الرسول المنتظر في كتبهم ولم يجد صفته
ثم قال فجأة: (يا معشر قريش، ألم أقل لكم ألا يتخلف منكم أحد عن طعامي؟
قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سناً وهو يحرس لنا متاعنا في رحالنا).
قال بحيرى : ادعوه ليحضر طعامي، فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم،
فقال أحد من بن هاشم: هو والله أوسطنا، نسبا وهو ابن أخي هذا الرجل –
وأشار إلى أبي طالب - وهو من ولد عبد المطلب
وقال رجلٌ من قريش :
(واللات والعزى أن كان للؤم منا أن يتخلف محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا)
ثم قام إليه فاحتضنه، وأقبل به حتى أجلسه على الطعام ،
وجعل بحيرى يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء في جسده ويتفحصه.
فلما فرغنا من الطعام قام بحيرى وتوجه نحو محمد
فجعل يسأل ومحمد يجيب وبحيرى يتعجب، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره
فرأى خاتماً بين كتفيه يشبه بيضة الحمامة فقام يقبل موضع الخاتم
وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدراً.
وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه،
فقال بحيرى الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال: هو ابني،
قال: ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا؟ قال: فابن أخي،
قال: فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريبا.
قال: صدقت.
ثم انفرد بأبي طالب وقال له: (ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود،
فوالله لئن عرفوا منه ما أعرف ليقتلنه على الفور،
فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، نجده في كتابنا،
واعلم أني قد أديت إليك النصيحة.)
عاد أبو طالب إلينا بوجه غير الذي كلم به بحيرى،
كان مهموماً وصامتاً..
توجهت إليه العفراء وقالت : (ماذا يا عماه؟)
قال أبو طالب: أخاف على محمد ابن أخي. وسوف أعود به سريعا، فقد قال لي بحيرى:
أنه رأى بعضاً من رجال يهود وقد رأوا محمداً، وعرفوا صفته، وهم يخططون لاغتياله
وذهبوا بالفعل بعضا من اليهود إلى بحيرى فذكروا له أمره فنهاهم أشد النهي،
وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم، قال: فما لكم إليه سبيل لأن ما قدر الله يكون)،
فصدقوه وتركوه.
قال أبو طالب: سأعود الآن بابن أخي إلى مكة..
,,,,,,,,
سوف نقطع رحلتنا إلى الشام ونعود سريعاً مع أبي طالب ومحمد إلى مكة.