المحطة الرابعة
محطة بني سعد بن بكر
وبينما القطار ينهب الأرض نحو ديار بني سعد بن بكر نلتفت حولنا لنتعرف على المسافرين معنا فنرى ركاباً يتأهبون للنزول معنا في محطة بني سعد
نتقدم منهم لنتعرف عليهم فيقدمون لنا أنفسهم
فتتقدم منهم امرأة وزوجها ويتحدث الزوج فيقول:
مرحباً بكم في ديار بني سعد , اسمي الحارث بن عبد العزى المكنى بأبي كبشة. وهذه زوجتي حليمة بنت أبي ذؤيب ( حليمة السعدية ) , وهى من نفس قبيلتي .
زوجتي تعمل حاضنة في الخارج فهي متخصصة في إرضاع أطفال قريش. وقد أرضعت أولادي: عبد الله ، وأنيسة ، وحذافة أو جذامة الملقبة بالشيماء. بالإضافة إلى أولادي فقد أرضعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب
ولكنها أرضعت طفلاً آخر هو من أعجب ما رأينا من الأطفال.
أتحبون سماع قصته؟؟
فسكتنا جميعا , فنحن نساء , ولا نكثر الكلام مع الرجال الأجانب
شعر بذلك وأشار على حليمة وقال لها : هيا يا حليمة قصي عليهن قصة ذلك الطفل اليتيم الأعجوبة.
فجلست حليمة واعتدلت في جلستها وأصلحت ثوبها وتهللت أسارير وجهها وهى تروي لنا قصة الصبي اليتيم.. فيبدو أنها تحب أن تحكي عن هذا الطفل.. وذهلنا ونحن نستمع إلى حكايتها.. ولم نلقي بالاً لجمال الطبيعة من حولنا ولا للطافة النسيم الذي يدخل علينا من نافذة القطار في ذلك الصباح الجميل فقد كانت كلمات حليمة من أجمل ما سمعنا من كلمات وكانت قصتها تدعو للدهشة والعجب. ولولا أنها قصة حقيقية وأن حليمة لا تكذب لظننا أن هذه القصة من نسج الأساطير.
قالت حليمة:
خرجت من بلدي على حمار لي , مع زوجي ، وابن لي صغير، نلتمس الرضعاء ، في سنة
شديدة القحط ، لم تبق لنا شيئا ، ومعنا ناقة مسنة لنا ، والله ما بها قطرة حليب ، وما ننام ليلنا من صبينا الذي معنا ، من بكائه من الجوع ، وما في ثديي ما يشبعه ، وما في الناقة ما يغذيه حتى وصلنا إلى مكة
فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه ، إذا قيل لها: إنه يتيم ، وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول: يتيم !! وما عسى أن تصنع أمه وجده ! فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا إلا أنا
فلما نوينا الانطلاق قلت لزوجي
والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ، ولم آخذ رضيعا ، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه
فقال زوجي: لا عليك أن تفعلي ، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة
فذهبتُ إليه فأخذته ، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره
فلما أخذته ، رجعت إلى رحلي ، فلما وضعته في حجري ، أقبل عليه ثدياي بما شاء من حليب ، فشرب حتى روي ، وشرب معه أخوه حتى روي ، ثم ناما ، وما كنا ننام معه قبل ذلك
وقام زوجي إلى ناقتنا ، فإذا ضرعها امتلأ حليبا ، فحلب منها ما شرب ، وشربت معه حتى شبعنا ، فبتنا بخير ليلة ، إلى أن أصبحنا
فقال زوجي: تعلمي والله يا حليمة ، لقد أخذتنا نسمة مباركة
قلت : والله إني لأرجو ذلك..
ثم ركبت حماري ، وحملت اليتيم معي
فوالله لقطعتُ من الركب ما يقدر على شيء من حميرهم , حتى أن صواحبي ليقلن يا بنت أبي ذؤيب / ويحكِ , أربعي علينا , أليست هذه أتأنكِ التي كنتِ خرجتِ عليها
فأقول لهن : بلى والله إنها لهي .
فقالت O?°• (أم دانه ) •°?O أكملي يا حليمة كم نحن في شوق لقصتكِ .
فاستطردت حليمة وقالت في فرح :
وأعجب ما في الأمر أننا لما وصلنا ديار بني سعد حدث أمر عجيب فبلادنا جدباء لا نبات فيها ولا عشب وكانت غنمي تروح لترعى ثم تعود شبعانة ممتلئة لبناً.. وكانت أغنام زميلاتي تروح ثم تعود جياعاً وليس في ضروعها لبن. وكان الناس يقولون للرعاة: ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، يقصدونني أنا..
.
فقالت حليمة : ولكن القصة الأعجب هي ما لاحظته على هذا اليتيم المسكين.. فخفت عليه خوفاً شديداً فأعدته إلى أمه..
ها هو القطار قد بدأ يخفف من سرعته تمهيداً للتوقف في ديار بني سعد بن بكر.. ولكنني أعدكم - إن شاء الله - بأن أحكي لكم ماذا حدث لليتيم ولماذا خفنا عليه فأعدناه إلى أمه.. تفضلوا معي إلى خيمتي..
انتظروا حليمة في المحطة التالية بعد أن ننزل في البادية ضيوفاً عليها في ديار بني سعد بن بكر
لتحكي لنا لماذا خافت على اليتيم
فإلى اللقاء
لقاؤنا في
المحطة القادمة في خيمة حليمة السعدية ...
.