المحطة السابعة
هانحنُ نسافر مع آمنة بنت وهب وابنها محمد وحاضنته أم أيمن
كانت الرحلة طويلة إلى يثرب
ومع ذلك لم نشعر بطولها
فقد كانت آمنة بنت وهب طوال الطريق تحدثنا عن زوجها عبد الله ابن عبد المطلب فسألتها
داعية الفردوس :
و كيف تم زواجكِ منه يا أماه ؟تبسمت آمنة فقالت :
كنتُ في حجر عمي وهيب بن عبد مناف بن زهرة , فجاء عبد المطلب وابنه عبد الله , فخطبني عبد المطلب لابنه عبد الله , وفي نفس المجلس خطب عبد المطلب أبو عبدالله لنفسه بنت عمي وهيب , وهي هالة
,,
وبعد أن تزوجنا , أقام عبد الله عندنا ثلاثة أيام , لأن هذه طريقتنا إذا دخل الرجل على امرأته في أهلها.
وقد حملت ابنة عمي هالة , بحمزة ابن عبد المطلب , فهو عم محمد ابني , وأخوه من الرضاعة
وأنا حملت بابني الحبيب محمد .فقاطعتها
تسنيم :
يا آمنة صفي أبو محمد عبد الله ؟
قالت لنا آمنة - الزوجة الصابرة على فراق زوجها - :
(تعلمون أن عبد الله كان أحسن أولاد عبد المطلب؟ وأعفهم وأحبهم إليه؟
وكان أجمل قريش , وأحب الشباب إليها , وكان في خُلقه طيب نفس , واطمئنان قلب , ورضا بما يجري به القدر , مع استعداد للفداء
تعلمون أنه هوالذبيح..
فنظرنا إليها , وفي عينينا علامات تعجب !!!!
فقالت : ألا تعلمون؟؟؟
حسناً سوف أخبركم.إن عبد المطلب رأى قلة أعوانه في حفر زمزم وإنما كان يحفر وحده وابنه الحارث هو بكره نذر لئن أكمل الله له عشرة ذكور حتى يراهم أن يذبح أحدهم فلما تكاملوا عشرة فهم ( الحارث والزبير وأبو طالب وعبد الله وحمزة وأبو لهب والغيداق والمقوم وضرار والعباس )
جمعهم ثم أخبرهم بنذره ودعاهم إلى الوفاء لله به فما أختلف عليه منهم أحد وقالوا أوف بنذرك وأفعل ما شئت فقال ليكتب كل رجل منكم أسمه في قدحه ففعلوا فدخل عبد المطلب في جوف الكعبة وقال للسادن أضرب بقداحهم فضرب فخرج قدح عبد الله أولها وكان عبد المطلب يحبه فأخذ بيده يقوده إلى المذبح ومعه المدية فبكى بنات عبد المطلب وكن قياما
فقال للسادن أضرب عليه بالقداح وعلى عشر من الإبل و - كانت الدية يومئذ عشرا من الإبل- فضرب فخرج القدح على عبد الله فجعل يزيد عشرا عشرا كل ذلك يخرج القدح على عبد الله حتى كملت المائة فضرب بالقداح فخرج على الإبل
فكبر عبد المطلب والناس معه وأحتمل بنات عبد المطلب أخاهن عبد الله وقدم عبد المطلب الإبل فنحرها بين الصفا والمروة ولم يمنع منها إنساناً ولا سبعاً..
وقالت لها
*-WARDAH-* :
ماذا ترك لك عبد الله يا أماه بعد موته؟قالت آمنة: (ترك لي خمسة من الجمال ، وقطعة من الغنم ، كما ترك لي (أم أيمن). واسمها بركة وهى من بلاد الحبشة.
أنظروا إليها هناك في تلك العربة. إنها هى حاضنة محمد. تعالى يا أم أيمن وسلمي على ضيوفنا) هذا ما تركه لي عبد الله
لقد ترك لي محمداً...
وقالت ماما سعاد بلهفة: يكفيك يا أماه أنه ترك لك محمداً.
قالت: بلى , فمحمد قرة عيني .
ثم قالت: لقد رثيت عبد الله بأبيات من الشعر. هل تحفظين يا شمعة وفاء الشعر الذي رثيت به زوجي عبد الله؟قالت
شمعة وفاء . – في زهو – نعم أحفظه. ثم انبرت تلقي بالأبيات التي قالتها آمنة في رثاء عبد الله بن عبد المطلب:
عفا جانب البطحاء من ابن هاشم === وجاور لحداً خارجاً في الغماغم
دعته المنايا دعوة فأجابها === وما تركت في الناس مثل ابن هاشم
عشية راحوا يحملون سريره === تعاوره أصحابه في التزاحم
فإن تك غالته المنايا وريبها == فقد كان معطاء كثير التراحم
ولاحظت
شمعة وفاء أن عينى أمه آمنة تدمعان.. فكفت عن إلقاء الشعر ودمعت عيناها...
ونظرت فإذا الجميع يبكون وهم مطرقون إلى الأرض...
وساد الصمت جنبات القطار فجأة، فلا تسمع إلا طرقات عجلاته السريعة الرتيبة على قضبان السكة الحديد...وفجأة قطعته آمنة بقولها: (سوف أمكث في يثرب شهراً كاملاً بجوار قبر زوجي)..هذه هي يثرب..
هذه أسواقها
هذا هو النخل.. وبساتينها وحدائقها..
هذه منازل الأوس،،
وهؤلاء هم الخزرج..
كم أحب هذه البقاع.. كم أحب هذا التراب..
هنا يرقد زوجي..
.
ونادت على أم أيمن:
(يا أم أيمن.. تعالى ومحمداً.. حتى نزور زوجي فقد دفن في هذه الدار وهي دار النابغة..)
فسألتها مريم الصابرة ومن النابغة ؟فقالت آمنة : هو رجل من بني عدي بن النجار
ائذن لي يا بناتي في خلوة أنا ومحمد ابني لنجلس قليلاً بجوار قبر زوجي عبد الله.. سوف أعود إليكم بعد قليل.. سنزور بني النجار فهم قد أعدوا لنا الضيافة حتى نستريح من عناء الرحلة..
وقضينا في يثرب شهراً ونيف. نتجول في أسواقها، وننظر إلى حصونها ونأكل من تمرها وبلحها ونشرب من مياه الآبار المنتشرة فيها.
هاهي أم ايمن مع محمد تهتم به
فقد جاءت مسرعة إلى آمنة فقالت : جاء بعض من اليهود ينظرون إلى محمد
فسمعتُ أحدهم يقول هو نبي هذه الأمة وهذه دار هجرته , فوعيت ذلك كله من كلامه , وخفت عليه
*******
فرجعتْ به آمنة – الأم الرؤوم - إلى مكة مع أم ايمن على البعيرين اللذين قدموا عليهما
وبينما نحن نتجول في ديار بني النجار إذا بأعرابي يقدم من الأبواء فيقول:
أين الركب الذي كانوا برفقة آمنة بنت وهب وابنها اليتيم حين قدموا من مكة؟ فقلنا جميعاً بصوت واحد: (نعم نحن بنات الواحة كنا معها.. )
فقال بصوت حزين:
(لقد مرضت آمنة مرضاً شديداً وألح عليها المرض، فماتت بالأبواء وهى راجعة إلى مكة.. ودفناها هناك
واختلطت أصواتنا ونحن نقول:
(وأين محمد؟)
قال الأعرابي: (لقد أسرعتْ به حاضنته أم أيمن إلى مكة..)
فتسابقنا إلى القطار لنطير عائدين إلى مكة وقلوبنا تتفطر على محمد..