القلب المشوه (كما يقولون)

دلفت إلى المشفى بقدمين مثقلتين لا بثقل الحمل وحده وإنما بثقل الخبر الذي ألقته الطبيبة على مسامعها من أنها تحمل جنيناً ذا تشوهات معقدة في القلب
دلفت منتظرة إجراء العملية الجراحية لها في الغد لإخراج ذلك الجنين الذي أتم لتوه ثمانية أشهر ...

(البوابة الخارجية)

كتبت على بداية الممر الطويييييييييييييييييييل
تمشي الهوينى محملة بكل ما يمكن أن يخطر على البال من الآلام والآمال


(الثلاجة)

تمر بها على الجانب الأيسر من ذلك الممر الطويل ........
تمر بها شتى الوساوس
تتعوذ بالله ...........وتمضي مسرعة دون التفات ....


(أجنحة التنويم)
(غرفة ***)

تضع حقيبتها الصغيرة داخل الخزانة الجانبية
تخرج قميصها ....فرشاة أسنانها والمعجون ....
تدس نفسها في ذلك السرير الأبيض ....تغمض عينيها .....لتمر أمامها صور صغارها الثلاث في المنزل ...
كيف تراهم ينامون الليلة .....
من يقرأمعهم أذكار المساء ؟!!!!!!
من تراه يشغلهم عن غيابي ؟!!!!!!!

يااااااااااااااااااااااارب استودعتهم عندك فأحطهم بحفظك ورعايتك واحرسهم بعينك التي لا تنام ...
تخفي دمعات تحدرت ....تسرع للاتصال بهم ....

محمد حبيبي انتبه على أخواتك أنت الكبير (6سنوات ) !!!
-ماما طلع النونو ؟
-غداً بإذن الله ياحبي ادع الله لي وسأكون بخير


تنهي مكالمته بعد أن ضاحكته قليلاً ....محاولة إزالة ما شعرت به من رجفة في صوته

(باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين )
تتمتم بباقي أذكارها ....تنظر في الساعة بجوارها ....العاشرة مساءً تغمض عينيها مستسلمة للنوم
....
....
....


أتراها نامت؟؟؟؟؟!!!

......

..........


..........
أعود بباقي قصتي قريباً بإذن الله .................لا تنسوني من دعواتكن....
__________________

تغمض عينيها ...وتتقلب على مثل الجمر ....تغفو وتظن أنها نامت لساعات
العاشرة والنصف ......الحادية عشرة .......والنصف
وهكذا ...........إلى الصباح .
تفيق لتنظر إلى الساعة المعلقة أمامها وكأن عقاربها بالكاد تتحرك وتغفو مرة أخرى
(لا إله إلا الله الحليم الكريم ,لا إله إلا الله رب العرش العظيم )




(الثانية عشرة ظهراً)

تأتي الممرضات بالسرير المتنقل لنقلها إلى غرفة العملياااااااااااااااات
تطلب منهن الإبقاء على خمارها ....
No >>>>>no( مافي ممكن بس هداااا)
ويشرن إلى قبعة خضراء لا يمكنها الدخول بغيرها .............

-إلى الله المشتكى -
يدفعن إليها بدواء برتقالي كريه الطعم صعب البلع لتذهب إلى الغرفة وقد أفرغت ما في جوفها والذي لم يدخله شيء منذ مساء الأمس .....

يغطين وجهها بالملاءة ويدفعن السرير إلى هناك

(غرفة ماقبل العملية )
تأتيها الطبيبة لتسألها عن التخدير الذي تفضل
-لا ......أريد التخدير الكامل


-لااااااااااااااااااااا


(غرفة العمليات )

لأول مرة تدخل لإجراء عملية جراحية
تفرد يداها بجوارها وتربطان بحيث لا تستطيع الهرب!!!!!!!!!!!! أقصد الحراك

قلبها يكاد يخرج ....ويداها ترتجفان .........
.تحس بها إحداهن فتمسكها وتقول :
اقرئي معي آية الكرسي ...
ترددها بشفتين جافتين ....تنتظرطبيبتها بفارغ الصبر
.........


........


تطل الطبيبة برأسها مسرعة :
هناك حالة حرجة ...سنخرج هذه المريضة وندخل الأخرى ....


كل ذلك التحمل والجلد الذي كانت تتحلى به صار في خبر كان :
وانهمرت دموعها.............تسارع تلك الممرضة ذات الشعر الكستنائي لاحتضانها موجهة الحديث لهم :
هذا لا يعقل .....راعوا نفسيتها
تصبرها أخرى مذكرة بالاحتساب والمساهمة في علاج من هو أولى

توكل أمرها إلى الله......
وتنتظر النتيجة...

..............

.........
تمر الدقائق عصييييييييييييييبة ليفرجها الله بإيجادهم غرفة عمليات أخرى

يدخل أحد الأطباء ..........!!!!!!!!!
-من هذا ؟؟؟؟
-لو سمحت أخبريه أن يخرج ...
تسارع إحداهن لتقول : إنه جراح قل............
لا تدعها الطبيبة (....... )تكمل حديثها مشيرة لها أن تصمت ملتفتة بالحديث إلى هذا الطبيب أن يخرج
تحاول الحديث ........
لا تستطيع ....إنها في عالم آخر

أتركها في عالمها ......تحت تأثير المخدر

لتعود بنا الأحداث من حين علمها بهذا الجنين في شهرها السادس لأنقل كلام الأطباء عن جنينها
بالتدرييييييييييج ...ومن طبيبة لأخرى لآخر :

(كلماااااااااااااااتهم )
- إنها بنية جميلة
- دقات قلبها غير منتظمة
- حالة جنينك غريبة ونريدك أن تعلمي أن الحياة والموت بيد الله
- دِه مش هتعيش ......دي هتنزل لوحدها .....ولا عملية ولا حاجة
- ما فيها إلا العافية ,,,والأشعة سليمة !!!!!!!!!!
- لا نستقبل حالتها !!!!!!!
كان آخرها :
- عندها 7 مشاكل في القلب ....وتحتاج (حضانة ) بمجرد خروجها ...ونحن نساعدك ونساعدها كي تعيش بإذن الله وحوله وقوته .


وكلت وزوجها أمرهما إلى الله ....وأجرت هي العملية لإخراج الجنين دون تعريضه لصعوبات الولادة

................






..................







.......................

(عودة)

وهاهي الآن .........
تفيق شيئاً فشيئاً ....
على صوت والدتها المحبب :
(.........) أفيقي ...أفيقي ....
بنيتك جميلة ورائعة ....بيضاء ذات شعر أسود ...

تفتح عينيها شيئاً فشيئأ ...
تسمع ...
تظن أمها (ولا مؤاخذة) تخفي عنها الحقيقة

تنظر إليها دون كلام وتومئ لها أن قولي الحقيقة أمي ولا تخافي ...
فأنا بإذن الله صابرة
تحلف أمها لها بأنها على مايرام وأن الطبيبة مذ أخرجتها أخذتها لها لتريها أنها ولله الحمد بصحة جيدة ..

تخرج والدتها ليأتي زوجها ....
ذاك الذي لن تنسى دمعاته المترقرقة في عينيه حين قرب موعد إجرائها الجراحة
ورسائله إليها حين مبيتها وحيدة في المشفى .عليك بالفاتحة ياغالية

تود لو تحدثت .....يمنعها جفاف حلقها
وسعال يؤلم بطنها !!!!!!!
لتكتفي وإياه بالنظرات دون الكلمات .......فقد خانته الكلمات أيضاً

يطل والدها ..
ذاك الرجل الذي عرف بصرامته وقوته ....
وكانت كبرى بناته والأثيرة لديه ...
والمحبة له هي أشد الحب ...
لينظر إليها بعينين دامعتين مسرعا ً بالخروج ....



....
يخرج الجميع تاركينها
في موقف يصعب ذكره ....



(غرفة ****)

ترقد فيها 3أيام غير قادرة على المشي ولا رؤية طفلتها في العناية المركزة ....

فالله المستعاااااااان

لينة
أم اسماعيل
الصابرة
تقة

لاحرمني الله منكن .......
ممتنة لتواجدكن ..


واعذرنني إن طالت قصتي ...
على قدر ألم وأمل ..


....

....
أعود قريباً بإذن الله

(بركات السعودة )



تأتي إليها إحدى العاملات بالمشفى لدفعها بالكرسي المتحرك إلى حيث ترقد صغيرتها
العاملة هزيلة تدفعها قليلاً حتى إذا وصلت إلى مكان يحتاج دفعاً إلى الأعلى أمرتها بالنزول لأنها لا تستطيع الدفع !!!!!!!!!
وبعد صعودهما
ووالدتها تشير أن ليس هذا هو المكان ...تصر العاملة :
هنا بنيتك .....
لتكتشف أن المكان خطأ ولتنزل مرةأخرى مشياً علىالأقدام
لا يهم ففي سبيل رؤية بنيتها تهووووووووون



...........




...........


(العناية المركزة لحديثي الولادة )



تدخل لترى أول سرير على اليمين ...
مكتوب بالخط العريض


(يُسْر)

هذا الاسم الذي اختارته لها من حين علمها بأمرها
كانت توقن أن وعد الله لا يخلف :

(إن مع العسر يسراً /إن مع العسر يسراً)
....


...

2ونصف كيلو وزنها
بيضاء ....بأنف صغييييييير محمر
ووجه دائري
وشغر غزير قد حلق بعضه لإدخال الإبرة من الرأس
لصغر عروقها ...
شاشة صغيرة بجوارها تظهر نبضات قلبها المتفاوتة بين
60و 80


(ما شاء الله لا قوة إلا بالله اللهم بارك فيها وعليها )
تحملها ..
..
لأول مرة منذ ولادتها تحس أنها أنجبت ...
لم تشعر بآلام الولادة ...ولم ترها إلا الآن

تحضنهااااااااا بقوة
وتضعها على صدرها
وتتووووووه في عوالم أخرى


لا يوقظها منها إلا صوت الممرضة وهي تبتسم :
حضرتك والدة يسر ..
نعم
الحمد لله على سلامتك وسلامتها
يأتيك الطبيب بعد قليل ليحدثك عنها
لا تخافي



تنتظر ...وتنتظر

ليأتي مجموعة من الاستشاريين يقفون عندها طويلا ً ....ويتحدثون
تفهم شيئاً .......ولا تفهم آخر
...

..
أخيراً
يذهبون جميعاً باستثناء أطولهم ....
يأتي إليها قائلاً :
السلام عليكم أم يسر ....معك الدكتور (.......)
مسؤول عن حالة يسر
الله ييسر أمرها

....
....

يطيل النظر إلى الصغيرة مبتسماً ثم يقول :
إنها جميلة !!!!


هي تعرف ذلك لكن ليس هذا ماتنتظر سماعه
تريده أن يخبرها بالحقيقة

تلك الحقيقة المتقلبة بين أقوال الأطباء
والتي لا يعلمها حقيقة ً إلا الله


-تلك الحقيقة أو التشخيصات المبدئية التي سمعها زوجها قبلها وهاهي الآن تريد أن تسمع بأذنيها -

بنيتك ماشاء الله لا قوة إلا بالله بحالة جيدة ومستقرة لكن حالتها المسماة (تشوهات معقدة في القلب مسببة للزرقان ) تستدعي إجراء 3 عمليات جراحية لهاعلى مراحل تقوم لك بعدها بإذن الله بصحة جيدة لا تحتاج معها إلا إلى متابعات للاطمئنان عليها -يشرح لها بالتفصيل طبيعة قلبها وإجراءات العمليات الثلاث-

تقاطعه:
عفواً دكتور .....أراها الآن بحالة جيدة ...ولا وجود للزرقان

يقول لها :
نعم هي بحمد الله الآن بصحة جيدة وهو ما يشجعنا على إجراء العملية الأولى لأن صحتها لو تدهورت لا قدر الله فسيكون من الصعب علاجها


تسأله: هناك من يقول لي :
تخضعينها لكل هذه العمليات بمخاطرها وهي لن تعيش طويلاً
(وكأنهم يعلمون الغيب )

يظهر عليه الغضب ليقول :
من قال هذا الكلام ؟....
أنا متخصص في جراحات القلب ومرت علي حالات مشابهة ..بعضهم الآن في العشرينات من عمره
والأعمار بيد الله ونحن نبذل ما بوسعنا
وأنتم تبذلون السبب لبقائها بإذن الواحد الأحد بصحة جيدة
سوف تكبر بإذن الله لتكون أبر أبنائك بك


............



كلامه مريييييييييييح لأم فارقها النوم أياماُ

......






...........






.....بعد استخارات


.....وبعد استشارات ...
....

......
عمرها أسبوع واحد


(العملية الأولى )
(المرحلة الأولى )
...

..



أعود قريباً بإذن الله