ظننتها قصة كأي قصةٍ من قصص اليوم المدرسي لأحد أبنائي ,
ولكن لم يكد يمضي وقت حتى اختلف الأمر ,
وقد صدق من قال : ( من يده في النار ليس كمن يده في الماء )
أخبرني محمد أن مدرس مادة الجغرافيا طلب من طالبٍ في الفصل
النهوض وقراءة سؤالٍ من السبورة ,
وأن هذا الطالب لم يستوعب الأمر بالتحديد
فقد كان في السبورة أسئلة عدة مكتوبة ,
فسأل المدرس : أي سؤال يا أستاذ ؟ أتدرون ما كان الجواب ؟
خمنوا ...
لن يكون الجواب ما خمنتموه وأظن انه سيختلف كثيراُ ..
عدا أن يكون احد القراء لسؤالي معلمٌ قاسٍ .
لقد ضرب المعلم الطالب عدة ضربات برأسه طالباً منه الوقوف ,
ثم أخرج مفتاحاً من جيبه ليس كأي مفتاح
هو مفتاحٌ يفتح بزر لتظهر بقيته !
ترى .. ماذا تتخيلون أنه فعل ؟
لن أترككم تتخيلوا وسأسرد بقية ما حصل
المعلم ( الوقور ) وضع المفتاح على أذن الطالب من جهة
ومن الجهة المقابلة وضع إصبعه وضغط بقوة !
وأنا أسمع مستغربة تساءلت : وهل بكى الولد؟
فأجاب محمد : لا .. لم يبكِ , واستطرد : (مايقدر يبكي)
فقلت متعجبةً من ذلك المعلم (( تخلف )) ,
وانتهى إلى هنا الفصل الأول من الحكاية ..
""""""
حتى هنا كنت سأفكر وأتردد هل أكتب في هذا الموضوع أم لا ؟
ولكن وقبل أن ينام محمد .. بل أنه لم يستطع النوم
حتى أتاني وأخبرني بما لم أتقبله حتى ..
قال : ((تذكرين الولد اللي ضربه الأستاذ ؟)) ,
فقلت : ( أيوه ) قال كنت أنا هذا الولد
كنت أنظر لوجهه مشدوهة وابتسامة في فمه ودمعة في عينه ..
كيف ؟ سألته ..
وهنا انفجر محمدُ باكياً وهو يحكي وقال : (ما فهمت إيش يقصد)
""""""
أهذا يحدث مع طفلي ولم يكد يمر إلا أسبوع على بدء الدراسة ؟
وفي مدرسة جديدة لم يحفظ معالمها بعد؟
وفي أول سنواته للمرحلة المتوسطة ؟..
وفي صباح أحد أيام رمضان؟ !
لا يعلم ذلك المدرس أن محمد لم يكن
يفارق المراكز الثلاثة الأولى في فصله
في السنوات التي سبقت الأول متوسط ,
ولم يعلم بعد أنه كان سيجيب على أي سؤال
من الأسئلة التي كانت أمامه فهو يعرف الإجابات
ولم تختفي بعد ابتسامتي وأنا أتذكر عبارة سالم قبل أيام حينما جاءني وقال لي :
( محمد أخوي مشهور في مدرستنا)
وطبعاً يقصد أن محمد ومع انه انتقل لمدرسة أخرى فإن هناك من تكلم عنه
حينما سألت سالم كيف هو مشهور ؟وكنت مبتسمة لتصوير سالم للموقف
أخبرني أن أحد المدرسين سأله إذا ما كان محمد أخوه فأجابه بنعم
فقال له المدرس ( شد حيلك وكون مثله ) ..
""""""
أكتب وأنا حزينة والله ..
أنذهب بأبنائنا إلى المدرسة لتلقي العلم أم لتلقي الإهانات ؟
أنذهب بهم حتى تساهم المدرسة في بناء شخصياتهم أم لتدمرها ؟
لم يستطع محمد النوم إلا بعد أن بكى ..
والمدرس الذي كلما فكرت بما فعله أتذكر مجرمي الشوارع
وهم يخرجون سكاكينهم الصغيرة بنفس طريقة إخراجه للمفتاح ,
ذلك المدرس لا أشك بأنه نام قرير العين وبلا أدنى إحساس بالذنب !
فيا كل معلم اتق الله في أمانة حملتها وأمانة استودعناك إياها ..
ويا كل زوجةٍ لمعلم ويا كل أخت لمعلم
لا تبخلي بالنصح والتذكير والتنبيه على متابعة مثل هذه الأمور ,
فرب حادثةٍ صغيرةٍ قتلت آمالاً كبيرة ,
وأحبطت أحلاماً كثيرة , وحطمت بنية شخصيةٍ ينتظر منها الكثير .