بسم الله الرحمن الرحيم
بدايةٌ جديدةٌ
بدايةٌ جديدةٌ
غريبٌ أمرُ هذه السّاعة، تتحرّك عقاربها باستمرار، دون أن تتعب أو تملّ، ودون أي أمل لا تستطيع أن تفهمَ ما السّبب.. حتّى لو حدّقتَ فيها وأطلتَ النّظر، فهي لن تقفَ حرجاً أو خجلاً، ولن تمنحكَ الوقتَ لتفهمَ! فكلّما نظرتَ إليها أهملتكَ لتُتابعَ سيرها..
يا صاح.. مثلها هي الحياة! فالحياةُ كساعةٍ عقاربها لا تتوقّف، لا لفرحةٍ ولا لحزنٍ، لا لدموعٍ أو شجن! ومهما حاولت فلن تستطيع قلبَ عقاربها لتسير إلى الوراء، فعِش اللحظة كما هي ولكن هل فكّرتَ متّى ستنتهي الحياة؟!
ذاتَ يوم قد لا تنهض من النّوم، أو قد لا تعُود من العمل، أو حتّى لا تستطيع أن تُكمل حماماً دافئاً، فالدّماء تجمّدت في عروقك، وأطرافكَ تصلّبت، وقلبك توقّف عن النّبض.. هل فكرت يا صاحِ أن تعيش تجربة الموت؟!
أغمض عينيك، أسكت فؤادك، قيّد يديك، لا تتحرّك، لا تتنفّس، لا تشعر بأي شيء، انزع عنكَ كل ملامح الحياة.. أهكذا هو الموت؟!
فارق كل من تحب، واترك كل من تأنس بقربه، لا تتكلّم، لا تسمع، لا تُنصت لأيّ شيء، أهكذا هو الموت؟!
ضع في أنفك قُطناً، ضع في أذنيْك قطناً، ضعه في فمك أيضاً، انزع عنكَ ملابسك، غسّل نفسك، لُفّها بكفنٍ أبيض، وادفنها في التّراب.. أهكذا هو الموْت؟!
نمْ في القبرِ، بين الجُثث، عانق الدّودِ أو اجعله يعانقك، اشعر بنفسك تتحرّك أو اشعر بهِ يحرّكك، أين عضلاتُك؟ أين هيئتك الحسنة؟! أين شعرك الجميل؟ أين أنت؟! بل من أنت؟!
يا صاح.. هل أنتَ جاهزٌ للموتِ؟
" بالأمسِ كان بيننا، كلّنا أحببناه، كانَ يُضفي على جلستنا الكثير من المرح، كان يُضحكنا.. والآن مات!"
يا صاح.. بعد الموتِ ستُصبح في الحياةِ فعلاً ماضياً.. عملتَ لها ومن أجلها وأنت ستُفارقها، يا صاح ألا تعلم أن الآخرةَ خيرٌ وأبقى؟! ألا تعلم أنّك في الدّنيا عابر سبيل؟! وسبيلك إلى جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض، أو إلى جحيمٍ فيها تُقيم..
واللهِ إنّي لأُشفقُ عليك وعلى نفسي، أبكي عليك وعلى نفسي، أهدرنا أنفسنا لأجل الحياة، ولكن ماذا فعلنا لما بعدها؟!
دعنا نبدأ من جديد، نغرس في نفوسنا غرساً جديداً، نرويه بالإيمان وقراءة القرآن، لا نفتر عن ذكر الرّحمن، يا صاح.. هيّا بنا نُعِدُّ العُدّةَ لرمضان.. وليكن رمضان البداية.. ولتكن بداية بلا نهاية!
هيّا بنّا نُعدُّ قلوبنا، نُنظّفها ممّا يشوبها، لا نريدُ ما يقصده الناس من الأسلاك الملونة أو الهلال المضيء كعدة لرمضان، بل نريد أن نضيءَ قلوبنا بأنوار الإيمان..
هيّا معاً نُغيّرُ من أنفسنا ليتغيّرَ واقعُنا، هيّا نرسمُ ملامحَ جديدةً لنا، أحبّوا الله بصدقٍ يحبّكم، اصدقوه يصدقكم..
اجعلوا شهر الخيرِ يُغيّركم، وتذكّروا أنّ الله سبحانه وتعالى يقول { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ } [11، الرعد]
ويقول { وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [ 118، التوبة]
وتذكّروا شيئاً آخر.. لقد بلّغنا اللهُ رمضان هذا العام، ولكن هل سيبلّغنا رمضان القادم؟! أوْ هل سنُكملُ الشّهر؟! ومن يضمنُ أنّ أجله لن يأتِيهِ قبل أن يكمل هذا السّطر؟!
.. لنرتقي معاً ..