تعالى صوتك الشجي يا صغيري
و بدأت تترقب تلك اليد الحانية تتلقفك
مضيت بخطواتي متجهة إليك
و أنا أنادي باسمك معلنة لك قدومي
رأيتك تتلفت إلي و تبتسم
و تزيد من بكائك لتخبرني بجوعك
حملتك و وضعتك بحضني
فوجدت عينيك الصغيرتين تنظران إلي بكل فرح
و كأنها ترحب بي و تعرفني
قربتك لصدري فعرفت رائحتي
و وضعت خدك الطري على صدري و كأنك تعرف مكانه
و استدار فمك يبحث عن سر حياته فألقمتك صدري
و بدأت ترضع بكل سكينة و هدوء
و لطالما تعجبت من حركتك التي تفعلها دائما بكل تلقائية عندما أهبك صدري
كنت تضع خدك الصغير على صدري و تدفع به بقوة كي تشعر بي
كي تأخذ مع رضعتك دفء أمك
و عندما تنتهي من رضعتك كنت لا ترفع خدك عن صدري
و تنام بعمق حفظك المولى
حينها يا بني خرجت أنهار دموعي
فقد أخذتني إلى دار أخرى
و ذكريات ماضية
و أنزفت قلبي دماء
أتدري يا حبة قلبي إلى أين؟؟؟
إلى ذلك المكان الذي طالما عشقته و وجدت نفسي به
أخذتني إلى أولئك الأطفال الذين حُرِموا من هذه النعمة
إلى تلك الغرفة الصغيرة التي طالما زرتها و بكيت عند أعتابها
إنها دار رعاية الأيتام
تذكرت دخولي عليهم
أطفال بمثل سنك لم يتجاوزوا الثلاثة أشهر
و سرقتني أنت منهم بعد مجئيك
كانت الخادمة تعطيهم الرضعة و هم جلوس
و فورما ينتهون تجلسهم بمقاعدهم
و عندما أتيت لحملهم بادرتني بقولها بعربيتها الركيكة
مدام ما في شيل بعدين يصير دلوعة
سبحان الله
أنحرم هؤلاء الأطفال من الملاعبة و الضم كي لا يتعودوا ؟؟؟
أليسوا بشر
بحاجة إلى الحنان و العطف كما حاجتهم إلى الغذاء و الماء
أم أن خوفك من التعب و السهر و بكائهم أقسى قلبك
بدأت أراقبهم و قلبي يعتصر لحالهم
أطفالا رضع ضعاف الأجسام
تشعر بكأبتهم و فتورهم
لاعبت أحدهم و هو على مقعده
فابتسم لي فشعرت و كأن الدنيا ملكا لي
لاعبتهم جميعا ثم بدأت بالانصراف
جميعهم أعينهم تتركز علي حتى غادرتهم
و دمعي يتراقص على جفني في ذهول
من لهم بعد الله ؟؟؟
و هم بأيدي خدم من الخارج لا يعرفون حتى الإسلام
كيف يرمون بأطفال يتامي إلى هؤلاء
ذهبت بعدها إلى قسمي فلقد كنت مسؤلة عن 8 أطفال أعمارهم من سنة إلى 3 سنين
لم تكن مهمتي إلا أن أحادثهم لأن المسؤولات عنهم خادمات من الفلبين عربيتهم مكسرة
و هم لا يقل حالهم عن حال هؤلاء المساكين
ألاعبهم طوال فترة الصبيحة
و عند حلول الساعة الواحدة ظهرا يأتي وقت القيلولة
بالنسبة لهم وقت الرعب
بدأت أراقب العاملات و هن يأخذنهم للنوم
أوامر صارمة
تخويف
و لأول مرة في حياتي أرى أطفالا ينامون بهذه الطريقة
فعندما دقت الساعة الواحدة
أخذن الأطفال و وضعن كل واحد في سريره و خلال دقيقة الجميع هادئون بفرشهم ما شاء الله
ذهبت إليهم و مررت على كل طفل منهم أقول له
يا بابا أعطني بوسة
كان كل واحد منهم يقبلني بطريقة خاطفة و بخوف
اكتشفت بعدها أنه خوف من العاملات اللاتي كن يصرخن بوجه من يحاول الحركة أو النزول في هذه الفترة
كن عندما يرينني أدور بينهم يمنعنني مدام ما في هنا بعدين بيبي ما في نوم صير دلوعة
آه من هذه الكلمة التي أسمعها بلسان كل العاملات هناك
يعاملنهم بنظام صارم و كأننا في مستشفيات
بل المستشفيات أرحم منهم
هؤلاء أطفال و ليسوا أجهزة
حرموا من صدور أمهاتهم
حرموا من أعظم نعمة ينعمها الله على الإنسان
مصدر وجوده و حياته و حنانه
كم تذكرت كلما وضعت خدك على صدري
ذلك الشيخ الذي ذكر لنا قصة مجيئه لدار الأيتام
يقول دخلت إلى دار الأيتام
فشاهدني طفل يبلغ من العمر حوالي العاشرة
يقول ركض باتجاهي و عندما وصل إلي
مد يده إلى أزارير ثوبي و خلعها و فتح صدري
و وضع رأسه على صدري و بدأ يبكي
آه ما أشد هذا الموقف و ما أقساه
فأيننا نحن من هذه الدور
لِمَ لا نفتح وصلة التواصل بيننا
لما لا نفتح صدرونا إلى أولئك اليتامى
أم أن زحمة الدنيا أخذتنا
و لهثنا وراء الرزق سرقنا
و ننام قريري الأعين و هناك من ينام بدموع قلبه
حرموا من نعمة الأسرة و ستبقى معاناتهم أبد الدهر
فلنصحو من غفلتنا ، هناك من هم بحاجة إلينا...
تم التعديل بواسطة أم الحنان, 30 October 2007 - 01:43 AM.