من بدائع اللغة :
المتائم :
وهو نوع من الجناس اخترعه الحريري ، وفنه مبني على الألفاظ المزدوجة، وأسوأ ما فيها أنك إذا أصبته عاطلاً من النقط ، مغفلاً من الضبط عَمِيَ عليك وجه قراءته ، فلا تتبين من ذلك شيئاً ، وهو نفس الجناس الذي يسميه أهل البديع : المصَحّف .
ومن ذلك ما روي أن اثنين تحاورا في أمر اللغة العربية ، فرأى أحدهما صعوبتها لما فيها من نقط وحركات ورسم حروف ، ورأى الثاني أنها خصيصة تُحسب للعربية لا عليها ، ثم قال الأول : حبذا لو كانت لغتنا دون هذه النقط ؛ لارتحنا من عناء كثير . فأجابه الثاني : هذا حسن ، اقرأ هذه الكلمات : ( إن طبعت فامسحوا النقاط )
عرلـ عرلـ فصار فصار ذللـ ذللـ فاحس فاحس فعللـ فعللـ بهدا بهدا
فسكت الأول ولم يحر جواباً .
( غرك عزك ، فصار قصار ذلك ذٌلك ، فاخش فاحش فعلك ، فعلّك بهذا تهدأ )
ومن روائع اللغة فن يسمى : التوجيه ، وهو إيراد الكلام محتملاً لوجهين مختلفين ، كقول الشاعر الذي خاط له رجل يدعى : عمرو قباء ـ وكان أعوراً ـ :
خاط لي عمرو قباء * ليت عينيه سواء
فاسألوا الناس جميعاً * أمديحاً أم هجاء !
وهناك الجناس التام عن طريق القلب ، أو ما يسمى بـ " ما لا يستحيل بالانعكاس " ، وقد مر العماد الكاتب على القاضي الفاضل راكباً ، فقال له : سر فلا كبا بك الفرس ، فأجابه الفاضل وقد فطن لقصده : دام علا العماد .
( كلا العبارتين تقرأ من اليمين واليسار فلا تتغير ، فلله درهما ما أسرع بديهتهما ، وأعرفهما باللغة! )
ومن الفن السابق تأتي كلمات وجمل مثل : باب ، خوخ ، تحت ، يلعب علي ، رمح أحمر ، كل في فلك ...الخ
ولعل من المشهور في هذا المقام قول القاضي الأرُّجاني :
مودته تدوم لكل هون * وهل كل مودته تدوم
وهناك فن آخر يسمى : المصحفات ، وهي أبيات إذا قرأت صدورها وأعجازها كانت مدحاً ، فإذا أفردت الصدور خرجت منها أبيات في الذم ، وأبيات أخرى إذا قرئت معكوسة الألفاظ كانت هجاء ، وهي في طردها مديح . كما قال الشاعر :
عدلوا فما ظلمت بهم دول * سعدوا فما زلّت بهم قدم
بذلوا فما شحّت لهم شيم * رشدوا فلا زالت لهم نعم .
فهذه الأبيات طردها مديح ، ولكن عكسها هجاء :
قدم بهم زلت فما سعدوا * دول بهم ظلمت فما عدلوا
نعم بهم زالت فلا رشدوا * شيم لهم شحت فما بذلوا .
أما فن " الملاحن " فهو ضرب من التورية ، وهي من اللحن الذي هو التعرض والإيماء ، ويشبه في اللغات الأوربية ما يسمونه : الكتابة الخفية أو الكتابة السرية ، كأن تقول : ما رأيته أي : ما ضربت رئته .
ونقول في الألغاز : حيوان يقع من آخر طريق لأوله، فما هو ؟ ( قط )
( يمكن للطالب أن يأتي بمتشابهات )
ومن ذلك الفن هذه القصة العجيبة :
قصد بعض الملوك محاربة عدو له، فقدم جاسوساً يستطلع أخباره، فلما صار إلى أرض العدو قبض عليه وأمره الأعداء أن يكتب لصاحبه كتاباً يذكر له أنه وجد القوم ضعفاء ، ويطعه فيهم ، ويزين له غزوهم فكتب:-
أما بعد:فقد أحطت علماً بالقوم ، وأصبحت مستريحاً من السعي في التعرف على أحوالهم ، وإني قد استضعفهم بالنسبة إليكم ، وقد كنت أعهد من أخلاق الملك المهلة في الأمور والنظر في العاقبة ، ولكن ليس هذا وقت النظر في العاقبة ، فقد تحققت أنكم الفئة الغالبة بإذن الله ، وقد رأيت من أحوال القوم ما يطيب به قلب الملك ، نصحت فدع ريبك ودع مهلك ... والسلام .
فتأكد الملك من الرسالة أن عددهم كثير ، وتحصن في بلاده .
فما العبارات التي تأكد منها ؟
( أصبحت مستريحاً من السعي : كناية عن الحبس / استضعفتهم : تورية بمعنى أن عددهم ضعف عددكم / الفئة الغالبة : إشارة لقوله تعالى : " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " / قلب : تورية وتعني هنا : العكس / نصحت فدع ريبك ودع مهلك : إن قلبت حروفها أصبحت : كلهم عدو كبير ، عد فتحصن . )
Change
من أجل لغتي 2
تمت كتابته بواسطة
أسراب
, Dec 03 2006 10:09 PM
#1
تاريخ المشاركة 03 December 2006 - 10:09 PM
وما من كاتب إلاسيفنى ... ويبقي الدهر ماكتبت يداه
فلاتكتب بكفك غير شيء...يسرك في القيامة أن تراه.