(((((((((((( 1 ))))))))))
موضوع سورة البقرة وأهدافها
سورة البقرة (مدنية) وهي أول ما نزل بالمدينة بعد الهجرة وبقيت تنزل على مدى المرحلة المدنية كلها تقريباً أي أنّها رافقت تكوين المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية من بدايتهما.هي أطول سورة في القرآن وعدد آياتها 286.
كيف تخاف وهي معك؟
ورد في فضل سورة البقرة حديثان: الحديث الأول رواه الإمام مسلم: «يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما» تأملوا أيها الأحبة كيف أنّ سورتي البقرة وآل عمران تحاجان - أي تدافعان - عن صاحبهما (الذي حفظهما وعمل بهما وكان يقرأهما كثيراً).
وفي رواية «يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو ظلّتان»... إنّ حرَّ يوم القيامة شديد، تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق، فتأتي سورة البقرة على من حفظها أو عمل بها أو كان كثير القراءة لها لتظلل عليه... فتأمل قيمة سورة البقرة!..
الحديث الثاني: رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في سورة البقرة يقول «البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان». وفي رواية «..لا يدخله الشيطان ثلاثة أيام». وبالتالي فإنَّ الكثير من الناس يحرصون على قراءة سورة البقرة في البيت لمنع الشيطان من دخوله.
هدف السورة: أنت مسؤول عن الأرض.
الحديث عن هدف السورة يساعدنا على فهم الآيات بتسلسل واكتشاف الروابط بين موضوعاتها المختلفة. واللطيف أن بعض العلماء قال بأن تسمية أقسام القرآن بالسور، لأن كل واحدة منها تشتمل على موضوع واحد، وآيات السورة هي كالسور أو السياج الذي يحيط بهدف السورة ويدور حوله ويخدمه. إذاً لكل سورة محور وهدف واحد، فما هو هدف سورة البقرة؟ وما هو المحور الذي يجمع 286 آية على مدى جزئين ونصف من القرآن؟
إن هدف السورة هو الإستخلاف في الأرض، وهذا يعني ببساطة «يا مسلمين أنتم مسؤولون عن الأرض». يا من سوف يقرأ سورة البقرة إعلم أنّك مسؤول عن الأرض وهذا منهجك: سورة البقرة..
وكأنّ القرآن يخاطبنا قائلاً اعلموا أنّ الأرض هذه ملك لله، والله هو مالك الكون خلقكم وملَّككم الأرض لكي تُديروها وفقاً لمنهج الله...
السعيد من وعظ بغيره
إنَّ الله تعالى خلال مسيرة التاريخ قد استخلف أمماً كثيرة على الأرض، فمنهم من نجح ومنهم من فشل وقد حان الدور في نهاية المطاف على هذه الأمة، والله تعالى لا يحابي أحد حتى ولو كانت أمة محمَّد صلى الله علي وسلم. فلو فشلت في المسؤولية فإنّها ستستبدل كما استبدلت أمم من قبلها..
الجزء الأول من القران:
هذا الجزء مكون من ثمانية أرباع:
- ربع الحزب الأول: يتكلم عن أصناف الناس وكأننا نستعرض الأصناف الموجودة على هذه الأرض والتي سيكلف أحدها بالإستخلاف.
- الربع الثاني: أول تجربة إستخلاف على الأرض: آدم عليه السلام.
- الربع الثالث إلى السابع: أمة استخلفها الله على هذه الأرض لمدة طويلة وفشلت في المهمة، بنو إسرائيل.
- الربع الثامن والأخير: تجربة سيدنا إبراهيم عليه السلام الناجحة في الإستخلاف.
تجربة سيدنا آدم تجربة تمهيدية تعليمية، وكانت المواجهة بين إبليس وسيدنا آدم عليه السلام لإعلان بداية مسؤولية سيدنا آدم وذريته عن الأرض.
ثم بنو إسرائيل: نموذج فاشل، فهم أناس حملوا المسؤولية وفشلوا، وتستمر السورة في ذكر أخطائهم لا لشتمهم ولكن ليقال للأمة التي ستستخلف: تنبهي من الوقوع في الأخطاء التي وقعت فيها الأمة التي قد سبقت في الاستخلاف!
وآخر ربع يضرب الله به المثل بالتجربة الناجحة لشخص جعله الله خليفة في الأرض وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام. ويكون الترتيب هذا منطقياً، فبدأَ بآدم التجربة الأولى وختم بالتجربة الناجحة لرفع المعنويات وبينهم التجربة الفاشلة، للتعلم من الأخطاء السابقة وأخذ الدروس والعبر.
لماذا سميت السورة بالبقرة؟
قد يتساءل البعض لماذا سميت هذه السورة بسورة البقرة؟
قد يجيب البعض بأنها سميت كذلك لأنّ قصة البقرة جاءت في هذه السورة، مع العلم بأنَّ هذه السورة قد جاء بها قصص كثيرة فلماذا سميت السورة باسم هذه القصة دون غيرها؟
إنّ قصة البقرة قد جسّدت الأخطاء الأساسية الكبرى لبني إسرائيل، فسميت السورة باسمها لكي يتذكر المسلم المسؤول عن الأرض هذه الأخطاء ويتجنبها.
يشتمل الجزء الأول على ثلاث تجارب :
1- أوّل تجربة استخلاف: آدم عليه السلام
وبعد ذلك تبدأ السورة بسرد قصة آدم عليه السلام وتجد أمامك آية محورية في بداية القسم الأول الذي يلي المقدمة :[وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلارْضِ خَلِيفَةً](30)
فأنت أيها الإنسان مسؤول عن الأرض وقد كان أبوك آدم عليه السلام مسؤولاً عنها أيضاً فالأرض ليست مسؤولية البعيدين عن الله ولا الناكرين لمنهجه. فالأصل أنَّ المسؤول عنها كان أبو البشر آدم عليه السلام. ولاحظ أنَّ رد الملائكة وسؤالهم ليس اعتراضاً على حكم الله (والعياذ بالله) لكنه خوفهم من الإستبدال وبيانهم أنهم لم يفعلوا ما يغضب الله، فكل أوقاتهم تسبيح وعبادة لكن الله قال لهم: [إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ].
2- تجربة بني إسرائيل
تبدأ تجربة بني إسرائيل بالآية 40 من سورة البقرة لتبين فشلهم في امتحان مسؤوليتهم عن الأرض.
نماذج نعم الله تعالى على بني إسرائيل:
وبعد هذه الآية يبدأ الله تبارك وتعالى بتعداد نماذج من هذه النعم فيقول لهم في الآية 50: [وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَـٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ] ويقول لهم في الآية 52 [ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مّن بَعْدِ ذٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] ويقول أيضاً في الآية 57 [وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ].
آيات متتالية تتحدث عن النعم ثم تنتقل للحديث عن أخطاء الأمة السابقة، وكل هذا الكلام لكي ننتبه ونتجنب الوقوع في أخطائهم.
أخطاء الأمة السابقة:
وتبدأ الآيات التي تصف أخطاء بني إسرائيل [وَإِذْ قُلْتُمْ يَـٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱلله جَهْرَةً] (55)
لأنهم أمة مادية للغاية وكأنَّ الخطأ الجسيم الذي قد تقع به أي أمة ويكون سبباً في استبدالها هو طغيان المادية فيهاً، ومعنى المادية أنهم لا يؤمنون إلا إذا رأوا أمراً ملموساً. وهنا نتذكر أول صفة للمتقين في بداية السورة [ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ] (2).
وتمضي الآيات الكثيرة في الحديث عن بني إسرائيل والموبقات التي ارتكبوها كقتل الأنبياء بغير الحق،وعصيانهم وكفرهم بآيات الله، واعتداء أصحاب السبت وتحايلهم على آيات الله، إلى أن تصل بنا الآيات إلى القصة المحورية: قصة البقرة.
3- التجربة الناجحة: إبراهيم عليه السلام
ونصل إلى الربع الأخير من الجزء الأول والذي يتحدث عن تجربة إبراهيم وهي تجربة ناجحة جاءت في نهاية الجزء للتحفيز على النجاح في امتحان الاستخلاف: [وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا] (124). ولاحظ أن سيدنا إبراهيم لم ينجح في الامتحان نجاحا عاديا بل [أَتَمَّهُنَّ] أي قام بهنّ خير قيام فلما أتمّ هذه الابتلاءات (الرمي في النار، الهجرات وترك الولد في الصحراء، ذبح الولد..). أخبره الله انه سيجعله للناس إماماً (الاستخلاف) لأنه قد اطاع الله تعالى فقال إبراهيم عليه السلام [قَالَ وَمِن ذُرّيَّتِى قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّـٰلِمِينَ] (124)
فقوله لا ينال عهدي الظالمين درس هام لنا بأن الله تعالى لا يحابي أحداً حتى أمة محمد والاستخلاف مقرون بالطاعة لا بالنسب وبهذا المعنى يدعو سيدنا إبراهيم أن يستخلف واحداً من ذريته [رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً] (129).
ومن المفيد هنا ملاحظة بدايات القصص الثلاث: فكلها بدأت بآيات تبيّن مجال الاستخلاف وكلها اشتملت على اختبارات في طاعة الله تعالى:
قصة آدم: أول آية في القصة [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلارْضِ خَلِيفَةً] (30) (اختبار آدم في مسألة عدم الأكل من الشجرة).
قصة بني اسرائيل: أول آية في القصة: [يَـٰبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِى ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ] (47) (الاختبار في تنفيذ أوامر الله المختلفة وشكر النعم).
قصة إبراهيم: أول آية في القصة وهي الآية 124: [إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا][وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ فَأَتَمَّهُنَّ] (تحدي الاب - تحدي القوم - الرمي في النار – الهجرة - ترك الولد والزوجة في الصحراء - الذبح).
ونلاحظ في ختام الجزء الأول وبعد أن قصّ علينا القصص الثلاث تأتي الآية [قُولُواْ ءامَنَّا بِٱلله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلاسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ] (136).
فهذه الآية تفصيل للذين أنعم الله عليهم المذكورين في سورة الفاتحة [ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ & صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ].
من فضلك اقرأ هذا الجزء بنفسية من يريد أن يكون مسؤولاً عن الأرض ليستخلفه الله، وأن يستفيد من أخطاء غيره، وأن يحذر المادية والجدل والتحايل على شرع الله ويتحرى طاعته.