في رثاء أبي الغالي ...
أَحَقَّاً أَنَّ عَيْنِيَ لَنْ تَراكَا
ولَنْ يَنْسَابَ في سَمْعِي نِداكَا
أحَقَّاً يا حَبِيْبَ القَلْبِ غابَتْ
أمَانِينا وغادَرَنا سَنَاكَا
أَصُدُّ عَنِ الحَقِيقةِ في ذُهُولٍ
وَأَزْعُمُ أَنَّ مَنْ يُنْعَى سِوَاكَا
أُغَالِطُ في سِهَامِ الفَقْدِ نَفساً
تذوبُ أَسىً وتُورِدُني هَلاكَا
أَبِي .. وتَهُزُّني الذِّكْرى حَنِيْنَاً
وَيَرْحَلُ كُلُّ حَرْفٍ في مَدَاكَا
وكنتُ أَهابُ أنْ أَرْثِي عَزِيزاً
فكيفَ أَخُطُّ شِعْرَاً في رِثَاكَا
تُنافِرُني الحُروفُ بِلا انْقِيَادٍ
وَمَا جَرَّبْتُ مِنها قَبْلُ ذاكَا
وَدِدْتُ بِأَنْ وُقِيْتَ يَدَ المَنَايا
وأَنِّي كنتُ يا أبَتِي فِداكَا
ومَا كَافأْتُ نَوْلَكَ وَهْوَ ثَرٌّ
ولَو أَفْنَيْتُ عُمْرِيَ في رِضَاكَا
سَتَبْقى في مَدَى الذِّكرى مَنَاراً
يُحَلِّقُ كُلُّ صَفْوٍ في عُلاكَا
بَنَيْتَ مَـحَبَّةً في كُلِّ قَلْبٍ
وقامَ على قَواعِدِهِ بِنَاكَا
يُطَاوِلُ مَنْكِبَ الجَوْزَاءِ طُهْرَاً
وَيَجْتازُ الكَواكِبَ والسِّمَاكَا
فَسُبْحَانَ الَّذي أَوْلَاكَ فَضْلَاً
وَثَوْبَ كَرِيمِ أَخْلاقٍ كَسَاكَا
نَجِيءُ إِلَيْكَ يا أَبَتِي فَنَأْوِي
إِلى الصَّدْرِ الحَنُونِ إِلى حِمَاكَا
نَجِيءُ لِنَبْعِكَ الصَّافي ظِمَاءً
فَنَرْوَى ثُمَّ نَرْوَى مِنْ دِلَاكَا
تُهَدْهِدُنا كَمَا كُنَّا صِغَاراً
وتَغْمُرُنَا بِفَيْضٍ مِنْ دُعَاكَا
نَشَأَنا يا أَبي في خَيْرِ عَيْشٍ
تُظَلِّلُنَا بِهُدْبٍ مُقْلَتَاكَا
تُذَلِّلُ في رِضَانا كُلَّ صَعْبٍ
وراحَتُنَا وسَلْوَتُنا مُنَاكَا
عَطُوفٌ مُشْفِقٌ بَرٌّ صَدُوْقٌ
عَزِيْزُ النَّفْسِ عَنْ هذا وذَاكَا
بَشُوشُ الوَجْهِ بَسَّامُ الثَّنَايا
يُبَادِرُكَ التَّحِيَّةَ إِذْ رَآكَا
أَيَا جَبَلَ السَّمَاحةِ كَيْفَ غابَتْ
ذُرَاكَ اليومَ والقَبْرُ احْتَواكَا
وَما وارَيْتُ شَخْصَكَ في ثَرَاهُ
ولَكنْ مُهْجَتِي أَوْدَتْ هُنَاكَا
جَزَاكَ اللهُ عَنَّا كُلَّ خَيْرٍ
وبِالفِرْدَوْسِ يِا أَبَتِي جَزَاكَا
سَتَذْكُرُكَ المسَاجِدُ كُلَّ آنٍ
إِلى رَوْضاتِها كانَتْ خُطَاكَا
وبِالأَسْحَارِ كَمْ تَاقَتْ فِجَاجٌ
إِلى التَّهْليلِ يَبْعَثُهُ صَدَاكَا
أُكَفْكِفُ عَبْرَتِي وأَقُولُ صَبْرَاً
هُوَ المَكْتُوبُ يا أَبَتي أَتَاكَا
عَلَيْكَ سَلَامُ ربِّي كُلَّ حِيْنٍ
وجَادَ الغَيْثُ مِدْرَاراً ثَراكَا
لَئِن عَزَّ اللِّقاءُ وحَالَ فَقْدٌ
عَسَى في جَنَّةِ المَأْوَى لِقَاكَا
علي بن حسن الحارثي