إسرائيل وحصار غزة .. حسابات المكسب والخسارة
الأربعاء يناير 30 2008
المؤلف:
خليل العناني
لعل السؤال الأكثر أهمية الآن هو: هل حققت إسرائيل أهدافها من حصار غزة؟ وهو سؤال يبدو مهماً للغاية من أجل التعرف على مستقبل هذا الحصار، وما إذا كانت إسرائيل سوف تستمر فى معاقبة الفلسطينيين وتجويعهم لفترات طويلة حتى تحقق أهدافها أم أنها ستتراجع تحت وطأة الضغوط الإقليمية والدولية.
حسابات المكسب والخسارة من حصار إسرائيل لقطاع غزة يمكن التعرف عليها من خلال تحليل ردود الأفعال الفلسطينية والعربية والدولية وحتى داخل إسرائيل ذاتها على ما حدث طيلة الأسبوع الماضي.
فعلى المستوي العربي كان الحصار بمثابة إنعاش للذاكرة العربية تجاه الجرائم الإسرائيلية التي بدأت مع النكبة عام 1948 واستمرت حتى حصار غزة، كما أنه أظهر حجم التضامن الشعبي العربي مع الفلسطينيين وأكد أن جذوة القضية لا تزال حاضرة فى الوعي العربي. وكم كان ملفتاً ذلك الكم الهائل من المظاهرات التي اندلعت فى جميع العواصم العربية للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني.
وعلى المستوي الدولي، وباستثناء موقف الولايات المتحدة، فقد عبرت العديد من الدول عن شجبها واستنكارها للعقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين فى قطاع غزة، واعتبرها البعض جريمة فى حق الإنسانية.
أما على المستوي الفلسطيني، فقد استهدفت إسرائيل تجويع وحصار الشعب الفلسطيني من أجل معاقبته على الاستسلام لحركة حماس ، ومحاولة الضغط من أجل وقف إطلاق الصورايخ على المستوطنات الإسرائيلية.
كما أنها حاولت إلقاء الكرة فى الملعب المصري من أجل الضغط على الحكومة المصرية كى تدفعها للسيطرة على الحدود معها وذلك بدلاً من سيطرة حماس عليها. كما سعت إسرائيل، ولا تزال، إلى خلط الأوراق بين فتح وحماس من أجل توسيع الخلاف بين الطرفين والاستفادة منه في الضغط على أبو مازن. بيد أن رد الفعل الفلسطيني كان مخيباً لآمال إسرائيل حيث تعاطفت كافة الفصائل الفلسطينية مع إخوانهم وأهليهم فى قطاع غزة، وقد كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس حريصاً على إدانة واستنكار الإجراءات الإسرائيلية ضد قطاع غزة رغم خلافه مع حركة حماس.
ويبقى السؤال هو: إلى أي مدى استفادت إسرائيل من تأزيم الأوضاع داخل قطاع غزة؟ باعتقادي أن إسرائيل لم تحقق ، على الأقل حتى الآن ، أهدافها من حصار الفلسطينيين ، بل على العكس فقد جاء الحصار بنتائج عكسية يمكن تلخيصها فى ثلاث رئيسية ، أولها أنه بدلاً من عزل حماس وخنقها فقد شهت الحركة تعاطفاً عربياً وإسلامياً غير مسبوق ، وقد عادت الحركة إلى قلب التفاعلات السياسية فى المنطقة بعد شهور عديدة من العزلة. لذا فقد سعت قيادات حماس إلى تحقيق أكبر استفادة ممكنة من الأزمة الأخيرة من أجل إعادة فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع الدول العربية الرئيسية خاصة مصر، لذا لم يكن غريباً أن يطرح الرئيس المصري حسني مبارك مبادرة للحوار بين فتح وحماس.
ثانيها، أن محاولة خنق الفلسطينيين اقتصاديا واجتماعيا قد فشلت، حيث انهالت المساعدات من كافة الأطراف العربية والإسلامية، وهبت الشعوب العربية لمساعدة الفلسطينيين رغم المصاعب العديدة التي تواجهها هذه الشعوب، وقد بدا واضحاً أن القضية الفلسطينية لا تزال تمثل القضية الرئيسية للعديد من الشعوب العربية ومن الصعب إزالتها.
ثالثها أن إسرائيل لم تنجح فى دق إسفين بين الفلسطينيين ومصر، وهي التي سعت مراراً لتحقيق ذلك. فقد بدا واضحاً مدى وعي القيادة السياسية المصرية بهذا الفخ الإسرائيلي، لذا فقد صرح الرئيس مبارك بكلمات مهمة وواضحة مفادها أن إعادة الوضع لما كان عليه لابد أن يتم من خلال رفع الحصار عن الفلسطينيين وليس من خلال فتح الحدود مع غزة.
وإذا كانت بعض الأطراف السياسية فى إسرائيل حاولت توظيف الأزمة فى الصراع الداخلي فإن ما حدث هو العكس، حيث ثمة أصوات تطالب بمحاسبة المسئولين عن فرض الحصار على غزة، ليس فقط لفشله فى خنق الفلسطينيين داخل القطاع وإنما أيضا لزيادة الرغبة لدى فصائل المقاومة بمختلف أصنافها للانتقام من إسرائيل مستقبلاً من خلال إطلاق المزيد من الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية.
وعليه، فمن غير المتوقع أن تستمر إسرائيل في سيناريو الحصار لفترة طويلة، خاصة إذا ما تم التوصل إلي اتفاق جديد ينظم إدارة معبر رفح، وهو ما نتمني حدوثه في أقرب فرصة ممكنة.
صحيفة الوطن - مسقط
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18))
الحمد لله على ما أعطى .