كالبلاغة سبيل يوصل إلى أرفع الأساليب صياغة ، و أحسن التعبيرات تصويرًا .
و لذلك كانت العناية بها مهمة كل من آمن بالله ، و بلغة كتابه الخالد ، و لن يُفهم أدب الأمة ما لم يتزود بالبلاغة
التي لا ينفذ معينها ما دامت اللغة العربية شامخة تتحدى الزمان .
من هنا أخواتي سننطلق لفهم البلاغة العربية عبر دروس مبسّطة و ممتعة بإذن الله .
الدرس الأول
تعريفه و طرقه
الأمثلة :
أكرم إبراهيم أصدقاءه حينما زاروه في قريته ، و صار حديثهم في طريق عودتهم ما رأوه من كرمه
و حسن خلقه ، و تذكر أحدهم قول رسول الله صلى الله عليه و سلَّم : ( إن الله كريم يحب الكرم ، و يحب
معالي الأخلاق ، و يكره سفاسفها ) صحيح الجامع الصغير برقم 1801
فقال الأول : إن إبراهيم جواد كريم .
و قال الثاني : إن إبراهيم مثل البحر .
و قال الثالث : لقد ودعنا حاتم الطائيّ و هو يتمنى أن نبقى عنده أيامًا .
و قال الرابع : إنه كثير الأيادي على محبيه .
و قال الخامس : إن دار إبراهيم مأهولة عامرة ، و مفتوحة أبوابها .
المناقشة :
أتأمل ما قاله الأصدقاء الخمسة :
- ما النتيجة التي أصل إليها من أقوالهم ؟
* وصف صديقهم إبراهيم بالكرم .
- هل وصف الأصدقاء الخمسة صديقهم إبراهيم بطريقة واحدة ؟
* لا ، بل تعددت طرق هذا الوصف .
- كيف وصف الصديق الأول إبراهيم ؟
• وصفه باستخدام الألفاظ التي تدل على الكرم ( جواد ، كريم ) .
- ماذا يسمَّى هذا الأسلوب ؟
• الأسلوب المباشر الحقيقيّ .
- كيف وصف الصديق الثاني إبراهيم ؟
• شبهه بالبحر .
- ماذا يسمّى هذا الأسلوب ؟
• التشبيه .
- كيف وصف الصديق الثالث إبراهيم ؟
• استعار له اسم حاتم الطائيّ و لم يذكر اسم إبراهيم .
- ماذا يسمّى هذا الأسلوب ؟
• الاستعارة .
- كيف وصف الصديق الرابع إبراهيم ؟
• وصفه بكثرة الأيادي .
- هل لإبراهيم أكثر من يدين اثنتين ؟
• لا .
- إذن ماذا يريد الصديق الرابع بالأيادي ؟
• كثرة النعم و المعروف على محبيه .
- هل هذا الوصف معروف عند العرب ؟
• نعم ؛ لأن العرب تجوِّز قول : له عليّ يد أي : نعمة و معروف .
- ماذا يُسمّى هذا الأسلوب ؟
• مجازًا مرسلا .
- كيف وصف الصديق الخامس كرم إبراهيم ؟
• قال : عن دار إبراهيم مأهولة عامرة ، و مفتوحة أبوابها .
- هل في هذا القول لفظ صريح يدل على الكرم ؟
• لا ، و إنما يخفي المعنى المراد بشكل جميل .
- علامَ يدل قول الصديق الخامس ( مأهولة ، عامرة ) ؟
• على كثرة الزائرين ، و كثرتهم تدل على كرم صاحبها .
- علامَ تدل عبارة مفتوحة أبوابها ؟
• على سهولة دخول الراغبين في كرم إبراهيم ، فلا توجد أبواب موصدة .
- هل ورد معنى الكرم بطريق مباشر في العبارات السابقة ؟
• لا .
- ماذا يُسمّى هذا الأسلوب ؟
• الكناية .
أستنتج :
البيان هو علم يعبر عن المعنى الواحد بطرق مختلفة .
- هل تنوع طرق التعبير عن المعنى كافٍ للتأثير على السامع أو القارئ ؟
• لا ، و إنما يجب أن تكون طريقة التعبير مطابقة لحال السامع أو القارئ و القائل .
- هل هناك مثال يوضح ذلك ؟
• نعم ، فمثلا لو أن إبراهيم رغب في إيصال صديق – بعد انتهاء زيارته له – إلى المطار :
× فقد يكون اختياره الطريق الأقصر ؛ لرغبته في الوصول إلى المطار لقرب موعد إقلاع الطائرة .
× و قد يسلك به طريقًا آخر أطول ؛ ليتمكن من مشاهدة بعض معالم المدينة و متنزهاتها ، إذا كان
في الوقت متسع قبل موعد الطائرة .
× و ربما وجد أن الأنسب هو أن يمر بطريق ثالث تقع عليه الأسواق ؛ لرغبة الضيف في شراء بعض
الهدايا لأهله .
× و يمكن أن يكون اختياره لطريق رابع فيه المكتبات ؛ لحاجة الضيف إلى شراء بعض الكتب .... و هكذا .
فالمطار هو الغاية ، و الطرق جميعها موصلة إليه ، و لكن اختيار الطريق المناسب يحدده معرفة إبراهيم ،
و حاجة الضيف .
و هذا الأمر ينطبق على الكلام ، فلو رغب المتكلم في التعبير عن معنى من المعاني ، فإنه يمكنه أن يستخدم
واحدًا من الطرق التي سلكها الأصدقاء الخمسة ، و لكن على المتكلم أن يتذكر أن اختياره الطريق ينبغي
أن يكون ملائمًا لحال المخاطب مثل ملاءمة حال الصديق المسافر .
الخلاصة :
علم البيان :
هو العلم الذي يعبر به عن المعنى الواحد بطرق مختلفة مع مراعاة مقتضى الحال .
و هذه الطرق هي :
1/ التشبيه .
2 / الاستعارة .
3 / المجاز المرسل .
4 / الكناية .
و سنتناول - بإذن الله - كل فن من هذه الفنون بالتفصيل في دروس لاحقة