وضعته جنينا وماتزال أحشاؤها تتذكر احتضانها له
نبضات قلبه تحسها بين أضلعها
تركته إلى موطن الغربة
تسعى بحثا عن اللقمة
لم تكن تعلم أن المدى ليس له حد
و وريدها يفقد النبض
هاجرت المكان في جنح الليل ...
وضعت فمه على صدرها و كانت آخر سقيا للحياة
علقت عيونها و قلبها على أمل أن تحضنه فوق الأرض و تسقيه من لبنها
لم يتعدَّ من العمر سبعة أشهر
تركته فوق صفيحة من النار تكويه
تلعب به يد الأقدار ، و حضن غير حضنها !!
لهث وراء قطرة لبن دافئة
وهن الجسم منه
عطش و رفض كل صدر أشفق عليه
ناداها بأعلى صوته أماه : حضنك حياتي ، بعدك مماتي..
مسحت على جبين القدر و قبلته قبلة المفارق
منذ أن وطئت قدمها منزلي
رأيتها كسيرة القلب
فسألتها : لم الغربة و البذرة تحتاج سقيا الحياة ؟!!
جبينها ينكسر
دمعها ينحبس
كم شاهدت لبنها مبللا ثوبها !!
حاولت معها كثيرا أن تعود إلى أن يكبر جنينها
لكن الحاجة و الفقر و الفاقة ذل و مهانة
و فراق الحياة عن الحياة
سبعة أشهر عمر الوردة التي لم تسقَ من نبع الحياة
كلما دخلت غرفتها
رأيت الدمعة و كأنها صديقة لها ، و الوسادة و كأنها صورة من فارقت
تحتضنها و تمسك بمصحفها
و تنوح نواح الثكلى
غاب نور الشمس من حياتها
ودعت دنياها كي توفر لهم دنيا هانئة
و الليل طفل تمرد في جفون السهد
لم تكمل شهرها السادس في بيتي
ذات يوم سألتها:
لبنك لم يتوقف و كأنما طفل به مولع
كعادتها صمت مطبق
هم يحتاجون إلي هناك
تركته عند أمي و أنا ابنتها الوحيدة
و هو حفيدها الذكر
تركت بناتي عند أبيهن
هو سيعتني بهن
إنما عمري القادم بيد من وهبت عمرها لي
ستعتني به و سيحظو بحبها و حنانها ، هي أمه كما كانت أمي
لم تكن تعلم إنه فارق الحياة في ثالث أيام هجرتها ، غابت شمسه من حياتها
كتموا الخبر عنها
قلب الأم كان حزينا
حتى شاخ عند مدافن الصبر صبرها
لم أشاهد خادمة تقرأ القرآن مثلها
الله هو سلوتها
تناجيه أطراف الليل و النهار
وردها يسكن قلبها
شفاهها ترتل بخفاء وردها
أتت و لغتها العريبة فصيحة
عرفتها لأنها لغة القرآن
كسيرة الجناحين كانت
تعمل بصمت و قسمات وجهها يعلوها حزن المشتاق
الأحد الماضي كانت على موعد رحلة الوداع
لم يخبروها بالحقيقة لئلا يحرموا ثمن اللقمة
أي قلوب تحجرت ؟ !
صدر الحنان بقي يدر لبن الحياة
و الطفل يحتضنه التراب
و الأم من وكلت أن تكون هي الحاضنة
طلبت و أمرت ألا نخبرها حتى لا تترك العمل
نحن نحتاجها
لتبقى هناك
هو مات و إن حضرت فلن يعود من مات
ويح قلبي !!
دموعها و نحيبها لا أقوى أن أصفه لكن
الآن و قبل كتابة هذه السطور كنت عندها
أحاول أن أذكرها أنه عند الله
و هو طير من طيور الجنة
افرحي و اهنئي غدا سيقف هناك يستقبلك
قالت :
أبكيه لأن اللبن لا يزال يقطر
أبكيه لأن أمي جعلتني أفارق حياتي
أبكيه لأن الموت غيبه و لم يخبرني أحد
أبكيه لأني ارتديت ثياب العيد و حضني لايزال دافئا
أبكيه لأني تركته مكتمل العافية
أبكيه لأنه ودّع الحياة بسببي
/
/
أخواتيـ،،
هذه حكاية العاملة المنزلية في بيتنا
مات وليدها فور سفرها
لكنهم لم يخبروها
و عرفت منذ أربعة أيام فقط !
أسأل الله أن يرحم حالها
هدفي من صياغة قصتها
مشاهد من عقبات الغربة
و ترك الأبناء و خاصة الرضع في يد الأمهات كبيرات السن
و الفقر مطبق عليهم
من أين ستطعم هذا الرضيع ؟!!
الهجرة وراء العمل و خاصة النساء عقباتها كثيرة
و هذا مثال حي حدث في منزلي
/
/